if your browser doesn't read arabic fonts, click here to read this text in PDF with Adobe Acrobat Reader. click here to Download Acrobat Reader.

 

 

 

يوسف أفتيموس (1866 1952)

 

 

كرمة طعمة

 

"على قلقٍ كأن الريح تحتي" يقول المتنبي مصوراً قدر من يتمردون على الجمود والمحدودية.

 

يوسف أفتيموس أحد أهم المهندسين المعماريين اللبنانيين في بداية القرن العشرين, ومن أهم أعماله مبنى بلدية بيروت، ونافورة الحميدية، ومطرانية الروم الكاثوليك، والمبنى الأصفر في السوديكو (مبنى بركات). مهندس ضاقت به العمارة، فمارس كل أنواع الهندسة، ثم تخطاها ليلعب دورا وطنيا سياسيا واجتماعيا.

 

من دير القمر إلى أميركا وأوروبا

 

ولد يوسف أفتيموس في دير القمر سنة 1866. بدأ دراسته في مدرسة الفرير-دير القمر, ثم انتقل إلى الكلية السورية الإنجيلية (التي أصبحت في ما بعد الجامعة الأميركية في بيروت)، ولكنه قضى معظم سني دراسته الجامعية متنقلاً بين البلدان، أو بالأحرى القارات.

 

بدأ تجواله بالدراسة في اليونيون كولدج في نيويورك سنة 1890، حيث حصل على شهادة في الهندسة المدنية سنة 1891، ثم عمل  في شركة سكة حديد ولاية بنسيلفانيا، وفي شركة الكهرباء في شيكاغو، التي شارك فيها في تشييد قصرٍ فارسي، وفيللا تركية، و"شارع القاهرة" من أجل المهرجان العالمي الكولومبي, سنة 1893.

 

ثم عاد فقضى سنتين في أوروبا، واحدة في أنفير ـ بلجيكا والأخرى في برلين ـ ألمانيا (1896-1897) ، درس خلالها وعمل في الهندسة المعمارية.

 

 

إستقرار في لبنان وأعمال في الخارج

 

عاد أفتيموس إلى لبنان، ليستقر ويعمل فيه، ولكن هذا لم يثنه عن وضع علمه في خدمة دولٍ عديدة، إذ قضى 6 سنوات (بين سنتي 1903 و  1909) عاملاً على مشاريع الري في مصر العليا، لمصلحة الدولة المصرية.

لقد قادته أسفاره مثلاً إلى كندا وجبال الأناضول و إيران للعمل على مشاريع تشجير، حاول الاستفادة بعدها من الخبرة التي حصلها في  هذا المجال لدرس إمكانيات إعادة التشجير في لبنان، كما يصرح في هذه الرسالة الموجهة إلى جمعية أصدقاء الشجرة في لبنان: "إن الأغراس لا تنبت بالخطب وبلاغة الكلام () إنما الأشجار تنمو بثلاثة: بالمال المبذول والإدارة المنظمة والمنقذة وبإنتاج أهل الخبرة والفن. () درست مطولاً عملية تحريش ما يصلح للتحريش من أراضي لبنان وبحثت فيها بحثاً اقتصادياً وعلمياً وألفت في ذلك مجموعة دروس وافية مبنية على ما لي من خبرة وعلم اقتبستهما من مشاريع لي توليت إدارتها بنفسي في أحراش كندا والأناضول وبلاد العجم", ثم يعرض خطةً لإعادة تشجير لبنان، مبدياً استعداده لدعم هذه الخطة بالشواهد والأرقام.

 

و هكذا لم يحل كل هذا التجوال دون رجوع أفتيموس إلى وطنه الأم, الذي جعل منه مقراً لإقامته وقضى فيه معظم حياته العملية حتى مماته, في 10 أيلول سنة 1952.

 

في الهندسة المعمارية

 

عمل يوسف أفتيموس في الهندسة المعمارية في لبنان مدة طويلة وكافية ليترك بصماته في كل أرجاء بيروت, من  مبنى البلدية, ونافورة الحميدية, ومطرانية الروم الكاثوليك, والمبنى الأصفر في السوديكو, إلى منزل السفير الفرنسي, وأقسام من مستشفى أوتيل ديو دو فرانس, وأبنية معاهد الميه وميه في ضواحي صيدا

وبقي فعالاً في مجال العمارة حتى بعد تقاعده فكان يستقبل في منزله الطلبة والمهندسين الشبان الذين كانوا يقصدونه للاستفادة من خبرته وإرشاداته.

كانت له في الهندسة محاضرات عديدة, من أشهرها: "العرب في فن البناء" و " مباني البشر في التاريخ". ويقول في إحدى خطبه:"تقاس عظمة كل بلادٍ بعدد مهندسيها فإن كثروا كانوا دليلاً على رقيها".

 

 

في الهندسة المدنية

 

ومع ذلك انصرف أفتيموس إلى تخصصه الأساسي, أي الهندسة المدنية, فعمل على جلب مياه الشفة إلى النبطية سنة 1924, أو كمهندس في مجلس بيروت البلدي بين سنتي 1898 و 1903 . وفي أهمية الهندسة يقول: "إذا اعتبرنا الهندسة على أنواعها من معمارية ومدنية وميكانيكية و كهربائية ومعدنية وزراعية وجدنا أن عمران البشر ومدنيتهم خاضعان لما يختلقه دماغ المهندس وقلمه وما يأتي به بيكاره وزاويته. فالطيارات السابحات في الهواء والسفن الجاريات على سطح الماء والغائصات في لجج البحار والقطارات والسيارات الساريات على وجه الأرض والمدن بشوارعها وأبنيتها وجنائنها ومشاريعها ونظام تنويرها وتدفئتها وتوزيع مياهها والمصانع والمعامل على أنواعها والبلاد وما حوته من مدنٍ ومزارع وحقول وبساتين وطرقات كل ذلك يحتاج إلى أعمال المهندسين المفكرين ومشاريعهم وحساباتهم ورسوماتهم ودماغ المهندس هو القوة المحركة لكل عملٍ من أعمال البشر ذات القيمة والشأن."

 

 

في السياسة

 

كان من الطبيعي أن يلتفت إلى أفتيموس أهل السياسة. ففي سنة 1926 تولى منصب وزير الأشغال العامة على عهد شارل دباس لمدة سنة، وفي سنة 1950 عينته الدولة اللبنانية في لجنة الخبراء المكلفة الفصل في الدعوى المتكونة بين المدعي السيد أنيس سماحة والمدعى عليه السيد ألبير عسيلي في ما عرف بقضية الكابيتول.

 وله في السياسة خطبُ عديدة ينتقد من خلالها الاستقلال الزائف, والفساد الحاصل, وسوء الإدارة, والنزاعات الطائفية ويقول في هذا الصدد: "هال الناس أن لا يروا في الأمة وطنيةً صارخة وإخلاصاً ووفاء. ساءهم أن تمتد أرجلنا خارج بساطنا كثيراً وكثيراً جداً ونبذر الأموال بدون النظر إلى النتيجة وبدون حساب. آلمهم أن الطائفية تلعب أدوارها الشائنة وأن الوساطات والمداخلات وذوي النفوذ والمحاسيب لا تزال تلعب بحقوق الضعيف والفقير, والويل لمن ليس له ظهرٌ يحميه"، و يقول أيضا: "نحن مسرفون ومسرفون جداً وهذا الإسراف سيقودنا إلى العبودية والخراب إذا لم نبادر إلى إصلاح الحالة ورتق الخزق قبل أن يتسع. إن امراضنا الإجتماعية كثيرة وعلاجها الحكمة وصدق الوطنية والنزاهة والإخلاص".

 

 

في الفكر و الاجتماع

 

كان لأفتيموس مساهمات في الحياة الفكرية والإجتماعية. ففضلاً عن المقالات التي كتبها في الجرائد والمجلات, كانت له خطب إجتماعية كالتي ألقاها في جمعية نادي خريجي الجامعة الأميركية, بوصفه رئيساً لها لمدة 12 سنة, ويتكلم في إحداها مثلاً على هجرة الأدمغة: "إنني طالما أسائل نفسي لماذا يخصب نبوغنا في بلاد الناس ويعقم في وطنه. أليس هذا تأثير المحيط إما حسناً وإما سيئاً؟ فهناك للنبوغ تقدير وللمواهب قيمة. هنالك ينطلق العقل حراً إلى المطالب السامية والأعمال المنتجة فيسمد ويسود. وهنا يلتهي العقل مقيداً بالمنازعات الطائفية والاقليمية ومفاسد الحزبية الشوهاء والسياسة الخرقاء فيسوء وينحط."  وقد ترأس جمعيات خيرية عديدة,كما ترأس جمعية مقاومة السل لمدة سنتين.

 

 

في ذاكرة الوطن

 

ضاق به الوطن وضاقت به مهنة الهندسة وضاقت به مجالات الخدمة الإجتماعية والوطنية والسياسية, ألا يضيق به القبر فيتمرد على النسيان والفناء؟

 

يأتي هذا المقال في سياق مشاريع بحث تقوم بها منذ أكثر من سنة مجموعة طلاب وأساتذة محترف البحث (atelier de recherche) في الألبا عن المدينة وبالتحديد طريق الشام وخط التماس ، جمعت في معرض

  LE SALON ART DECO – SIMAA 2000 في البيروت هول من 16 إلى 21 أيار تحت اسم “Machines Célibataires”، وستشكل المادة الأساسية لعدة منشورات، وقد كان المهندس يوسف أفتيموس موضوع جزءٍ مهمٍ من  الأبحاث والمعرض.

 

إن القائمين على محترف البحث  يخصون بالشكر كلاً  من الدكتور جورج أفتيموس لما زودهم به من وثائق عمل قيمة، ورابطة المهندسين للتشجيع الذي قدمته للمشروع، والذي أتاح لنا فرصة نشر هذا المقال. ويخصون   بالشكر أيضاً مجموعة مهندسين أسهموا في تأمين نفقات نشر أسطوانة مدمجة (CD rom) تضم ما احتواه المعرض من دراسات قام بها الطلبة وما تضمنه أرشيف يوسف أفتيموس من معلومات قيمة، وقد أصروا على إبقاء أسمائهم مجهولة.

 

 

محترف البحث     الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة

في اللغة الفرنسية             في اللغة الأنكليزية